اللقاح غذاً
---------
بسمـ الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاتــــه
قصـة اللقاح غـداً
-----------------
أمشى ولا أعرف أين ستأخذنى قدماى ماذا أفعل يا ربى ؟؟
كم أكره الغد أكرهه ولا أريد أن أفكر فيه .. وأتمنى أن أنام فلا أستيقظ إلا بعد غد
قرعت جرس الباب, وفتحت لى أمى باسمـة ودخلت غرفتى مطرقة حزينة دون أن أنطق بكلمـة
فلحقت بى مستغربـة تسأل عن قصصى التى لا تنتهى كل يوم عند عودتى من المدرسـة فأحدثها عن كل صغيرة وكبيرة جرت معى
اقتربت منى ومسحت على شعرى ثم قالت : مالك .. ما الأمر؟ فانفجرت فى البكاء وأنـا أقول " لن أذهب غداً إلى المدرسة .. يريدون أن يلقحوننا بلقاح ضد مرض شلل الأطفال وأنا أموت خوفـاً من وخز الإبرة "
وتوقعت من أمى أن تواسينى أو حتى تعترض على قرارى بالغياب
ولكنى فوجئت بها تصمت وتطرق محدقة فى وتشدنى برفق لأجلس بجانبها وكأن صمتها أسكت ثورتى .. وجفف دمعتى وقالت لى " انتظـ رى قليلاً "
وخرجت هنيهة ثم عادت وفى يدها صورة قديمة لفتاة وصبى فى العاشرة من عمرهما يمسكان بإيدى بعضهما و يجريان وهما يضحكـ ان بسعادة واضحة
ومدت لى يدها بالصورة وقالت :
"أتعرفين من هذان ؟ " فهززت رأسى بالنفى , فلم يسسبق لى أن رأيت هذين الطفلين
فقالت لى تأملى جيداً أنها أنا وأخى سعيد
فاستغربت كثيراً وقلت " خالى سعيد " ؟؟؟
فقالت : نعم هو فقلت : ولكنه .....
وابتعلت كلماتى ونظرت إليها مشفقة فأرسلت نظراتها إلى البعيد وقالت :"كان رغم صغر سنه كثير الحركة .. يحب المرح و الضحك .. وذات يوم أصيب بحمى شديدة وارتفعت درجة حرارته فلم يعد يأكل أو يشرب وحارت أمى وحار الأطباء ورغم واضعنا المادى المتواضع إلا أن أمى أحضرت كل الأطباء ولكنهم أجمعوا على أنه مصاب بمرض شلل الأطفال الذى لا شفاء منـه .. وكم كانت صدمة قوية للجميع
ذلك الطفـل الذى لا يهدأ .ز سيبقى مشلولا فى سريره طوال العمر ..
لن أنسى كم قاسى سعيد فى ذلك الوقت لقد كاد الأسى يفطر قلبه عندما كان يرى الأطفال من حوله يركضون ويلعبون ولم يعد للعب عندى معنى دون سعيـد
وفى يوم صنع له أبى شبه دراجة من خشب الصناديق المثبت بالمسامير وفى أسفلها عجلات حديدية أجلسته أمى عليها وربطتها بحبل و أعطتنى إياه لأجوله قرب المنزل حتى يتسلى قليلا
وووفعلا صرت أشده بأقصى ما لدى من قوة و أركض لكى أعوضه عن سجنه فى المنزل وكم شعرت بالسعادة عندمـا كان يضحك بسرور رغم أننى كثيراً ما أوقعته وفجـأة توقفت أمى و اتجهت إلى النافذة بخطى ثقيلة كأنها تحمل الجبال على كتفيها و واستندت براحتها إلى حافة النافذة
وأطرقت بعينيها غامضة كأنها تطرد ذكرى حادثة أليمة مرت فى حياتها فسألتها : ما لك يا أمى ؟
فابتلعت غصتها و التفت إلى مسندة ظهرها إلى الجدار و قالت لى : " وذات يوم جاء أحد الأشقياء ودفعنى وأخذ يسحب سعيداً بعيداً وهو يركض ويضحك و أخدت أصيح به أنا و سعيد
ولحقت به مسافة بعيدة حتى أنقذنا جارنا فأخذ الحبل و طرد الولد وأعاد لـى أخى وكم شعر المسكين سعيد بالإعاقة تنخر عظامه فى ذلك الوقت فى ذلك الوقت فرغم أنه كان يصيح بالمعتدى إلا أنه لم يستطيع الدفاع عن نفسه وعدنا إلى البيت حزينين و منذ ذلك اليوم لم نجرؤ على الخروج من المنزل
وذات يوم لن أنساه فى حياتى ..
زارنا المختار وقد أحضر معه كرسياً متحركاً هدية من أهل الحى مساعدة لسعيدد
وكم شعر سعيد بالفرح حين جلس فيه
صار يتحرك بحرية أكثر و بثقة أكبـر
وأرسلته أمى ليحضر خبزاً من المخبز المجاور لنا فخرج مزهواً بنفسه ولحقته دون أن يدرك خوفاً عليه من أى مكروه يصيبه وكم كان سعيداً لشعوره أنه ذو فائدة لنـا
وصمتت قليلا وشبح الإبتسامة خفية تلوح على وجهها وشفتيها وكأنها تراه الآن معاقـاً
فقلت لهـا : ولكن خالى سعيد الآن مهندسـاً ناجحـاً يرسم أجمل التصاميم وأدقها و يعمل فى شركـة كما أن الجميع يحبونه فهو كثير المرح و يتمتع بشخصية جذابة .. لم أشعر أبداً أن له وضعـاص خاصاً
استدارت أمى إلى النافذة وقطفت وردة حمراء جميلة من الأصيص و قالت : آه .. لو كان العلم و الطب فى ذالك الوقت استطاع أن يقدم العلاج لشلل الأطفال
فأطرقت و جههى خجلاً فى الأرض و مسحت بيدى على الوردة و قلت : أدركت أهمية اللقاح ولكنى أخاف من وخز الإبرة يا أمى
فمسحت على شعرى و قالت لى : أنت تحبين التطريز وقد طرزت الكثير من القماش أليس كذلك ؟
فاستغربت كلامها عن التطريز الآن و قلت لها : بلى فقالت لى : و هل تستتطيعين تذكر كم مرة وخزت إصبعك و احتملت الألم فى سبيل التطريز حتى أكملت اللوحة الجميـلة
وتابعت و انـا أصغى باهتمام : تأكدى أن وخز الإبرة لا يزيد ألماً عن تلك الوخزات فتخيلى عن اللقاح أنك تمارسين هوايتك المفضلة فى التطريز و لن تشعرى بالألم
ابتسمت و انـا مندهشـة .. حقاً أنها فكـرة رائعـة !!
فقالت لى أمى : والآن أيتها الفنانة الصغيرة .. اغسلى يدك و اتبعينى إلى غرفة الطعام .. فموعد الغذاء اقترب وسيصل خالك قريباً و نحن لم نستعد بعد ..
حملت الوردة الحمراء لأضعها فى مزهرية صغيرة ودون أن أشعر وجدت إصبعى تنزف دمـاً
لقد وخزتـ ها أشواك الوردة .. لم أشعر بالألم لانى سرحت بخيالى بعيداً مع أمى و خالى و طفولتهما و ...
حقـا إنها فكرة رائعـة ؟؟!!!!!!!
موضوع: اللقاح غدًا 
